الرئيسية » » أمام الذاكرة | عبدالله عيسى

أمام الذاكرة | عبدالله عيسى

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 10 يوليو 2015 | 9:35 م

أمام الذاكرة 
عبدالله عيسى 
١-
مالذي حلّ بالحاج أحمد ونّاسْ؟ 
كي يغيبَ ، بلا رحمةٍ ، عن صلاةِ الجماعةِ ، 
أو يطمرَ البئرَ في بيته بملابس زوجته الميتةْ 
ويعلّق خارطةً من رسوم الشعوب التي انقرضت لفلسطين
فوق حبال الغسيل ، 
ويغلقَ نافذتيهِ بنعي الشهيدِ الذي ظلّ مبتسماً في جنازته الصامتةْ . 
مالذي حلّ 
حتى بنى خيمةً عند مدخلِ مقبرة الشهداء 
ليحرس سكّانهاالمطمئنٌين من شرّ ما كادَهُ الجنّ والناسْ 
٢-
العجوز التي كلحتْ في يديها العصا،  
ويداها اللتان ترملّتا
قبل أن يضع العابرون حقائبهم في الممرّ 
وتبقى روائحها ، كالجنابة ، فوق الأسرٌةِ في غرفِ العائلة ْ . 
لم تلدْ ولداً لتقولَ له : لماذا ذهبتَ إلى الحربِ وحدكَ ؟ 
لكنها ودٌعتْ ، منذ حربِ فلسطينَ ، كلّ الذين مضوا في المخيّم ،
وانتظرتْهم في الطريقِ المؤدّي إلى جبلِ الشيخِ ،
بالمعطف العسكريّ الذي وزعّته عليها الأونروا
وقد أوقدتْ نارها بعصاها التي كلحتْ
في يديها اللتين ترملّتا بين حربين ِ،
حتى يعودوا
لتسألهم واحداً واحداً : كيف حالُ فلسطين ؟ .
لا تتذكّر إلا لتذكرَ قصتّها: 
أنها هرمتْ في انتظارِ ظلالهمُ المائلةْ 
 ٣-
بيتٌ من الطينِ خلف النهر ، 
نافذةٌ تمشي إلى حقلي كُرُنبٍ وباذنحانَ ، 
وامرأةٌ تروي لصورتِها في البئر شيئاً 
وتمضي نحو صورةِ زوجِها الذي لم يعدْ فوق الجدارِ ، 
وأنت َ مثلما كُنتَ 
ترمي رُكبتيكَ على عشبٍ تمهّلَ في النموّ
لا أحدُ 
يغيظ ، بما يأتيك َ، يومَكَ
إلا من رآكَ ولم يمدحْ مكوثكَ في كلامِكَ القديمِ 
طويلاً
تحتَ غُرتّكَ الأولى التي اتسختْ ، مثلكَ ، بالرياحِ، 
ونظرةِ الغريبِ ، 
وخوفِ المارّة المائلينَ ، في الحديثِ ، على أجسادهم 
من سذاجةِ المخبِرٍ الثرثارِ ، 
لا أحدٌ 
من سارقي جمرةِ القِرى  
ورواةِ الشائعاتِ 
وطُرّاقِ الليالي اللذين لم يعثروا عليكََ في غرفِ الموتى
وأحفادِ حفّاري القبورِ
يعكّرونَ رائحة الوردِ التي صاحبتْ يديكَ في انتظارِ صبايا الحيّ ، 
لا أحدٌ
يُهينُ صَوْتَكَ ذاكَ إذ تنادي على القتلى 
سوى من رمى على الضوءِ في عينيكَ ظلاً ثقيلاً .         
..
غير أنكَ مثلما كُنتَ 
ترعى الماء في النهرِ حتى يكبرَ العشبُ والحصى 
ويأنَسُ الهدهدُ الأعزلُ ، مثلكَ ، بئرَ البيت 
والمرأة التي رأت زوجَها بين النعوشِ الحياةَ ما استطاعتْ سبيلاً. 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.